بقلم - انتصار خصخوصي
هل هذا السور الذي شُيّد لصدّ الغارات؟ هل هذا ما سيخلّد تاريخ صفاقس؟”
يتساءل رمزي معلى، سائق تاكسي يبلغ من العمر 45 سنة، بينما يشير بإصبعه إلى السور المتآكل للمدينة العتيقة، بملامح يختلط فيها الغضب بالحسرة.
لم أعد أتعرف على المدينة… تغيّرت كثيرًا، وكل يوم تزداد سوءًا”، يقول رمزي، الذي ورث منزلاً عن أجداده في برج النار، أحد المعالم التاريخية و الأثرية داخل السور. ورغم تمسّكه بالعيش في المدينة العتيقة، لا يخفي يأسه: “أنا متشبث بالبقاء، لكن للصبر حدود”.
تُعدّ المدينة العتيقة بصفاقس من المعالم التاريخية الكبرى في تونس، بُنيت في القرن التاسع ميلادي، ويُعتبر سورها من أضخم وأكمل الأسوار التاريخية الباقية في البلاد.
منذ سنة 2012، تم ترشيح المدينة لتُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، لكنها ما تزال في القائمة التمهيدية، رغم تصنيفها في قائمة التراث الوطني من قبل المعهد الوطني للتراث، واحتوائها على معالم مصنفة “محميّة”.
لكن ورغم هذا التصنيف، تُسجّل خروقات متكررة للقوانين المنظمة لحماية التراث، خاصة مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية. عدسة فريق التحقيق وثّقت عدة مخالفات واضحة.
يحمل رمزي معلى المسؤولية إلى بلدية صفاقس والمعهد الوطني للتراث، ويؤكد غياب الردع: “لا عقوبات، لا صيانة حقيقية، وحتى إن وُجدت فهي تشوّه أصالة المدينة”.
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي غياب دور كل من البلدية والمعهد الوطني للتراث في حماية المدينة العتيقة، ويوثّق خروقات صريحة للنصوص القانونية المنظمة لهذا المجال.
المدينة العتيقة بصفاقس بين عبق التاريخ و تحديات الحاضر
المدينة العتيقة بصفاقس في مركز المدينة التاريخي على الساحل الشرقي لتونس، وتمثل موقعًا تراثيًا يمتد تاريخه إلى قرون عديدة. تتميز بتخطيطها العمراني التقليدي وأسوارها التاريخية وأبوابها القديمة التي تشكل جزءًا من الهوية المحلية. بالرغم من أهمية هذه المدينة العتيقة، لا توجد حتى الآن دراسات رسمية أو تقييمات علمية شاملة تصف وضعها الحالي بشكل دقيق مع ذلك قام فريق ” في العمق ” بالتجول داخل المدينة و خارجها و نوثيق وضعها الحالي و هو ما تكشفه الصور المصاحبة

في هذا الإطار يحدثنا زاهر كمون مهندس جيولوجي ومتخصص في توثيق التراث بصفاقس عن حالة المدينة العتيقة ” هوية المدينة تندثر شيئا فشيئا , الكثير من الجوانب غير مستقيمة فقبل الثورة كان يتم ترميم السور كل سنة أما الان لم نعد نري هذا , الواضح أنه سيق الترميم أن حدثت كارثة ..”
و الصحيح هنا أنه لا توجد دراسات واضحة تقيم الوضع الحالي للمدينة العتيقة سواء بعض المقالات التي ذُكرت و مفادها عن تسجيل ما يفوق 260 بناية ايلة للسقوط داخل المدينة وفق ما صرح به الكاتب العام و المكلف بتسيير شؤون بلدية صفاقس و رغم تصريح نجيب السنوسي مدير الاسكان بوزارة التجهيز و الايكان انه سيتم تحيين قائمة المباني المتداعية للسقوط الا انه لم تصدر أي قائمة محينة الي الان.

يقول رمزي ي هذا الإطار ” هناك العديد من المشاكل ولعل أبرزها ترك مالكي المنازل و خروجهم الي خارج المدينة و هو ما اهملها و مع طول الوقت يتحول هذا الاهمال الي خطر”
أثناء تجولنا داخل المدينة وجدنا العديد من اللافتات الصفراء التي تندد بوجود بناية ايلة للسقوط هذا الي جانب وضع خشب بين الحائط و الاخر تفاديا للسقوط .
و لعل المشكل الأكبر هو حالة السور من الخارج قد ظهرت العديد من التشققات عليه و تم وضع أعمدة حديدية من جهة القصبة و هذا يمثل تهديدا جسيما بحق هذا المعلم الأثري .
تحدثنا مع العديد من الحرفيين القدامي الموجودين داخل المدينة و الذين يزاولون مهنهم للان .
صالح (اسم مستعار استجابة لطلب الحرفي ) عمره يناهز 70 عاما انتهج تصليح الساعات , يملك هذا الاخير محل يقبع تحت بناية عليها عبارة “ايلة للسقوط” عن حديثنا معه بخصوص حالة المدينة و ما تسببه لكم من خطر قال ” الجميع هنا ينظرون الي بعضهم البعض , لقد جاء العديد من الاشخاص و استمعوا الينا و قدموا وعودا طويلة و لكن هل تم حل هذه المشكلة ؟ انهم لا يعون خطورة هذا في حال سقط منزل فان هذا يضر من شكل المدينة و يضر بمعمارها فهذه المنازل هي الاخري تاريخية ..”
يظيف زاهر كمون ” منازل ذات هندسة نادرة قديمة و جميلة للغاية تسقط دار الجلولي أقدم دار في المدينة لا اراك الله مكروه عن حالتها , حتي وان تم التدخل للصيانة فانه يفقد المدينة أصالتها ..”
تجاوزات عمرانية تهدد التراث...
عند دخولنا المدينة العتيقة من باب “باب الديوان”، يشدّ الانتباه وجود مصباح كهربائي ضخم معلّق فوق محل لبيع الخضر، تم تركيبه بطريقة لا تتوافق مع أدنى شروط السلامة أو الجمالية العمرانية، خاصة في فضاء مصنّف تراثيًا. كما تعترض الزائر أسلاك كهربائية تمتدّ بشكل عشوائي عبر المدخل، دون أي تغطية أو تنظيم. المشكل هنا، أن هذه التمديدات تمرّ مباشرة أمام “مسجد العجوزين”، أحد أقدم المعالم الإسلامية في المدينة، ما يُظهر غياب الرقابة واحترام المعايير داخل الفضاء التاريخي.

يقول لنائب بالبرلمان “رياض معطر ” ل”في العمق” ” أن الحالة التي وصلت اليها المدينة العتيقة نتيجة للاهمال من بعض المؤسسات و تقصير في الردع لمالكي العقارات و حتي في الشديد عليهم لصيانة منزلهم .”
كما أكد أيضا أنه هناك غياب فعلي للدور الحقيقي الذي من المفروض أن تلعبه جمعية صيانة المدينة العتيقة و عدم وجود تصور فعلي من البلدية و وزارة الثقافة و خاصة المعهد الوطني للتراث “
من جهة أخرى أكد مصدر من البلدية رفض تقديم نفسه أنه لا يوجد شخص يكلف بتنفيذ العقوبات لهؤلاء الأشخاص .
و الجدير بالذكر هنا أننا حاولنا عديد المرات أن نتصل بالبلدية حول هذا الموضوع لكنها انتهجت سياسة المماطلة و حتي تاريخ انجاز هذا التحقيق لم يصلنا رد منها
هوّة واضحة بين القانون و الواقع
تم بتاريخ 24 فيفري 1994 اصدار القانون عدد 35 المتعلق بإحداث مجلة حماية التراث الأثري و التاريخي و الفنون التقليدية حيث تنص هذه المجلة في بابها الثالث لمتعلق بالحماية و تحديدا الفصل 9 الذي يتحدث عن الأشغال التي تخضع للترخيص و المتمثلة أساسا أعمال الهدم الكلي أو الجزئي لأي مبني داخل موقع ثقافي , أشغال الشبكات الكهربائية , الهاتف و قنوات المياه والتطهير و الطرقات أي كل ما من شأنه أن يفسد المظهر الخارجي للمنطقة و البناءات الموجودة فيه و هو ما يشرح بصريح العبارة منع القيام بأية تدخلات دون تقديم ترخيص و الترخيص يتم الموافقة عليه وفقا لشروط و التي من أساسها هو عدم المساس بالمظهر الخارجي , من جهة أخري من الجدير بالذكر أن المدينة العتيقة بصفاقس هي تراث وطني و هو ما يؤكده الفصل الأول من المجلة “يعتبر تراثا أثريا أو تاريخيا أو تقليديا كل أثر خلفته الحضارا أو تركته الأجيال السابقة …” كما أنه ووفقا للقائمة التي نشرها العهد الوطني للتراث و التي تحمل عنوان” قائمة المعالم التاريخية و الأثرية المرتبة و المحمية بالبلاد التونسية ” فبالإضافة الي كون مدينة صفاقس تراث تاريخي فإنها تحمل عددا من العالم التاريخية و الأثرية المحمية على غرار سور المدينة , زاوية سيدي عبد القادر , سوق قوبعة ..
و هنا يمكننا الوقوف على كون السور بالإضافة الي أنه معلم تاريخي فهو أيضا محمي و مرتب و يقع على الدولة التزام واضح تجاه التزام واضح تجاه التراث فوفق الباحثة في القانون رايدة ترجمان أنه يقع على عاتق الدولة حماية كل ماهو تراث سواء كان موقع ثقافي , مجموعات تاريخية و معالم ثقافية و أن تحافظ عليها قصد نقلها للأجيال القادمة ” و بالتالي أن أي ضرر يمكن أن يلحق بالمعلم هو انتهاك واضح لهذا المبدأ و مخالف تماما لما تنص عليه المجلة و هنا يبرز القصور تماما فكل ماهو وارد في الواقع مخالف لما ينص عليه القانون و هو ما أكده النائب رياض معطر في قوله أن المشكلة لكبري هي في البطىء في القيام بما تتطلبه التشريعات و القصور واضح تتحمل مسؤوليته البلدية و المعهد الوطني للتراث “

سوء تعامل السلطات الجهوية: عائق أمام حماية المدينة العتيقة
أكد زاهر كمون أنه لم تكن هناك مبادرات من السلطات الجهوية للقايم بإصلاحات داخل المدينة فحتي الصيانة التي حدث فيها كانت بمجهودات خاصة من ذلك المبادرة التي قامت بها أريج للمدينة العتيقة , يمكن الإضافة الي انه منذ سنة 2019 لم يتم الحديث ع نشاط تشاركي لصيانة المدينة العتيقة بصفاقس
من جهته أكد رئيس جمعية صيانة المدينة العتيقة بصفاقس منير مهدي ” لعل غياب الاصلاحات مرتبط بضعف التنسيق بين مختلف الهيئات و المصالح المختصة على غرار المعهد الوطني للتراث و بلدية صفاقس و حتي مصالح التجهيز”
وفي حديثنا عن جمعية صيانة المدينة العتيقة بصفاقس فانها لم تنشر أي تقارير عن أعمالها و حاي أثناء حديثنا مع رئيسها لم يقد الينا اية وثيقة تؤكد الأشغال التي قامت بها الا انه توصنا الي انها قامت باعمال سابقة امتدت من 1995-2003 وفق الوثيقة المعلق على الحائط و التي استطعنا تصويرها من جهة اخري فقد عاينت الجمعية بتاريخ 30 أفريل 2025 عقار كائن بنهج سيدي على النوري هو يقع على ملك خاص و يتواجد بجانب دار الجلولي.


في محاولة منا عديد المرات للاتصال بالمصالح الجهوية على غرار البلدية و المعهد الوطني للتراث الا اننا لم نتلقي أي رد حتي تاريخ كتابة هذا التقرير فقد اكتفي المهندس بمعهد التراث سفيان السويسي بقوله “نحن نعمل على دراسات و لا يوجد تمويل للانطلاق في مشاريع الصيانة .
حمل كل من رمزي و زاهر كمون و حتي النائب بالرلمان رياض معطر المسؤولية الكاملة للمعهد الوطني للتراث مبررين ذلك بقربه من المدينة العتيقة خاصو و أن مقره داخله كما أجمعو جميعا أن البلدية لا تهتم بالأهم فهي تتدخل مثلا مهملة حالة المدينة للتبخير (اشارة من رمزي الي ما قامت به البلدية في شهر رمضان)